-->

السبت، 4 أبريل 2020


هل طلب العلاج من الواجبات
وهاهنا مسألة نضيفها إلى ما تقدم ، رداً على من ظن أن الضرورة تبيح التداوي بالمحرم ، بل بالسحر الذي هو كفر وشرك .
فنقول : قد اختلف علماء السلف في حكم التداوي بالمباح ، هل هو واجب أو مستحب أو الأولى تركه والصبر على البلاء بالمرض .
قال ابن عبدالبر " واختلف العلماء في هذا الباب ، فذهبت منهم طائفة إلى كراهية الرقى والمعالجة ، قالوا : الواجب على المؤمن أن يترك ذلك اعتصاماً بالله تعالى وتوكلاً عليه وثقة به وانقطاعاً إليه ، وعلماً بأن الرقية لا تنفعه ، وأن تركها لا يضره .. "
ثم ذكر أنهم احتجوا بحديث السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حســاب ولا عذاب ، وجاء فيه " لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون " رواه البخاري ومسلم . جامع الأصول [ 7 / 571 ] .
قال ابن عبدالبر " فلهذه الفضيلة ذهب بعض أهل العلم إلى كراهية الرقى والاكتواء ، والآثار بهذا كثيرة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وممن ذهب إلى هذا : داود بن علي وجماعة من أهل الفقه والأثر ... "
ثم نقل الآثار في ذلك عن ابن مسعود وأبي الدرداء والربيع بن خيثم وسعيد بن جبير والحسن البصري وغيرهم .
ثم قال ابن عبد البر " وذهب آخرون من العلمــاء إلى إباحة الاسترقاء والمعالجة والتداوي ، وقالوا : إن من سنة المسلمين التي يجب عليهم لزومها ، لروايتهم عن نبيهم صلى الله عليه وسلم الفزع إلى الله عند الأمر يعرض لهم ، وعند نزول البلاء بهم في التعوذ بالله من كل شر ، وإلى الاسترقاء وقراءة القرآن والذكر والدعاء .
واحتجوا بالآثار المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم في إباحة التداوي والاسترقاء .
منها : قوله صلى الله عليه وسلم (( تداووا عبادالله ، ولا تداووا بحرام ، فإن الله لم ينزل داء إلا أنزل له دواءً .. )) .
ثم ساق عدة أحاديث في التداوي بالحجامة وبالحبة السوداء وبالكمأة والرقية بالمعوذات ، ونحو ذلك .
ثم قال " والذي أقول به أنه قد كان من خيار هذه الأمة وسلفها وعلمائها قوم يصبرون على الأمراض حتى يكشفها الله ، ومعهم الأطباء ، فلم يعابوا بترك المعالجة .
ولو كانت المعالجة سنة من السنن الواجبة لكان الذّم قد لحق من ترك الاسترقاء والتداوي ، وهذا لا نعلم أحداً قاله . ولكان أهل البادية والمواضع النائية عن الأطباء قد دخل عليهم النقص في دينهم لتركهم ذلك .
وإنما التداوي – والله أعلم – إباحة على ما قدمنا ، لميل النفوس إليه ، وسكونها نحوه ، { ولكل أجل كتاب } ، لا أنه سنة ، ولا أنه واجب ، ولا أن العلم بذلك علم موثوق به لا يخالف ، بل هو خطر وتجربة موقوفة على القدر ، وعلى إباحة التداوي والاسترقاء جمهور العلماء .. " اهـ . باختصار . انظر التمهيد [ 5 / 265 – 279 ] .
قال سمير : فإذا كان هذا حكم التداوي عند السلف ، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمربه بقوله (( تداووا )) ، لكنهم فهموا منه الإباحة لا الوجوب .
ومن قال بالإباحة ، أو بالوجوب أو الاستحباب ، فإنه خصه بالأدوية المباحة ولم يتجاوزها إلى العلاج بالمحرمات ، فضلاً عن الشرك والموبقات .
ومن هنا تعلم خطأ الشيخ العبيكان ، وتعجله في فتواه التي زعم أنه نصح بها الناس .
ومن عجائب ما جاء في رسالة العبيكان " الساحرة " ، قوله " ومن الأمور العجيبة أن الذين يحرمون ذلك ، لا حلَّ لديهم سوى أمر الناس بالصبر ، ولا شك أن الصبر مطلوب ، ولكن لا يتعارض مع بذل الأسباب ، فالنبي لم يأمر المريض بالصبر فقط ، بل قال (( تداووا عبادالله )) ، وقال في الجارية (( استرقوا لها فإن بها النظرة )) ... " الخ .
قال سمير : أولاً : أدخل الشيخ حديث (( تداووا عبادالله )) في مسألة السحر ، مع أنه ذكر من قبل أن السحر ليس من الأمراض ، فتناقض !
ثانياً : أنه استدل بأول الحديث (( تداووا عبادالله )) وحذف آخره ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم (( ولا تداووا بحرام )) ، وهو حجة عليه لا له . وهذا يشبه من وقف على آية { فويل للمصلين } ولم يكملها .
وقوله صلى الله عليه وسلم في الرقية أيضاً (( استرقوا لها .. )) قد جاء في الحديث الآخر (( لا بأس بالرقى ما لم تكن شركاً )) .
وفي الحديث الآخر أيضاً (( إن الرقى والتمائم والتولة شرك )) .
ثالثا : قوله " لا حلّ لديهم سوى أمر الناس بالصبر " ، ليس صحيحاً ، فإنهم أجازوا حل السحر بالأسباب المشروعة ، وقد ذكروها في كتبهم ، ومنها :
1 –
الرقية بفاتحة الكتاب وبالمعوذات وبسورة البقرة ، وبغيرها من الآيات .
2 –
الرقية بالأذكار الواردة في السنة .
3 –
العلاج بالحجامة .
4 –
النشرة المباحة بأوراق السدر وبالعسل وبماء زمزم ونحوها .
5 –
الاستفراغ في المحل الذي يصل إليه أثر السحر .
6 –
استخراج السحر .
فكيف يزعم الشيخ أنه لا حلَّ لديهم سوى أمر الناس بالصبر ؟
رابعاًً : والأمر بالصبر أمر بما شرعه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فيما لا يكاد يحصى عدده من النصوص .
وقد أمر به النبي صلى الله عليه وسلم تلك المرأة السوداء التي اشتكت إليه أنها تصرع وتتكشف ، وسألته أن يدعو لها ، والدعاء مشروع ، لا خلاف في ذلك ، لكنه صلى الله عليه وسلم رغّبها في الصبر ، لتنال الحسنى في الآخرة ، فقال لها (( إن شئت صبرت ولك الجنة ، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك )) .
قالت " أصبر " . ثم قالت " فإني أتكشف ، فادع الله أن لا أتكشف ، فدعــا لها " . رواه البخاري [ 10 / 99 ] ومسلم [ 2576 ] .
ومثله حديث الأعمى الذي جاءه يسأله أن يدعو الله ليرد إليه بصره . رواه الترمذي [ 5/ 569 ] .
ومثله حديث خباب حين شكوا للرسول صلى الله عليه وسلم فقالوا : ألا تستنصر لنا ؟ ألا تدعو الله لنا ؟ فذكر لهم صبر المؤمنين من قبلهم على البلاء ، رواه البخاري [ 7 / 126 ] .
فإذا كان هذا هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن سأله الدعاء لكشف الضر ، من مرض وغيره ، والدعاء سبب مشروع ، فحثهم صلى الله عليه وسلم على الصبر ، ورغب فيه ، ووعد عليه الجنة ، فكيف لا يؤمر بالصبر على ترك التداوي بالكفر والسحر ؟ 

0 تعليقات على " هل طلب العلاج من الواجبات "